القبر .. نعيم أو عذاب؟
بعد انتهاء عمر الإنسان ويموت، تُحمَلْ جنازته على الأعناق، فإذا كان الميت صالحًا نادت الجنازة بصوت لا نسمعه: "قدموني .. قدموني". وإن كان غير ذلك نادت الجنازة: "يا ويلها أين تذهبون بها".
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "يسمعه كل شىء ولو سمعه الإنسان لصعق" وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا ذهب إلى القبر ليدفن أحد، كان يسأل هل عليه دين؟ فإذا كان عليه دين سدده من بيت المال، وإلا طلب من أحد المسلمين تسديده عنه، وكان يمتنع عن الصلاة على الرجل الذي عليه دين ويأمر أصحابه أن يصلوا عليه، وكان إذا دفن أصحابه يدعو لهم و يطيل في الدعاء؟ لأن الموت انتقال من حياة إلى حياة جديدة في القبر، إما أن تكون روضة من رياض الجنة ونعيمها، وإما أن تكون حفرة من حفر النار.
وتبدأ هذه المرحلة بفتنة القبر، أو سؤال منكر ونكير، ومن يثبت في هذه الفتنة، كان من أهل الجنة، فيقول الله تعالى:
"يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ".
سورة "إبراهيم": الآية (27).
فإن كنت ظلمت نفسك، أو إخوانك، أو أهلك، أو جيرانك، فبسبب هذا الظلم سينساك الله ويضلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العَبْدُ إِذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ في هَذَا الرَّجُلِ محَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ انْظُرْ إِلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدَاً مِنَ الجَنَّةِ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَاهُمَا جمِيعَاً وَأَمَّا الكَافِرُ أَوِ المُنَافِقُ فَيَقُولُ لا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ ثمَّ يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلا الثَّقَلَيْنِ".
أخرجه "البخاري" في صحيحه.
حياة البرزخ لها قوانين أخرى لا نعرف عنها إلا ما أخبرنا به القرأن والسنة.
يجب أن نتحلى عند الوقوف على القبور، بالهدوء والسكينة التي تناسب جلال الموقف، في تفكر وتدبر وعظه. كيف سيكون حالك عندما تكون في هذا الموقف؟، ماذا أعددت للرحيل؟ إن الحديث الذي بين أيدينا إنما يثبت لنا أشياء هامة، وهي فتنه القبر وعذاب القبر ونعيم القبر.
فالفتنه من أنكرها فقد كفر، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يتعوذ دبر الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ".
رواه "النسائي".
يجب أن نؤمن بعذاب القبر ونعيمه، ولن نبالغ فالقوانين مختلفة، فالنعيم والعذاب هنا للروح، وليس للجسد الذي يأكله الدود أو حتى يبقى، إذا كان للشهداء والأنبياء والعلماء.
ضمة القبر:
كل إنسان سيتعرض لضمة القبر لكن مع الفارق، فهناك من سيضم كما تضم الأم وليدها الذي اشتاقت إليه بعد سفر، وهناك من يضم ضمه تختلف منها أضلاعه.
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن دفن "سعد بن معاذ"، الذي اهتز له عرش الرحمن عندما استشهد، تغير وجهه وقال: "سبحان الله". وبعد فترة استبشر وقال: "الله أكبر". فقالوا: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: "إن للقبر لضمه لو نجى منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ".
إن من السبل المؤدية إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، أن نؤمن بنعيم القبر، وفتنة القبر، وعذاب القبر وسؤال الملكين، والذي نسأل الله تعالى أن يقينا فتنته، وأن يرزقنا الثبات فيه لنضمن الجنة والنعيم بإذن الله.
الشيخ "سالم عبدالجليل"