كيف تخشع في الصلاة...؟
ما من فعلة وإن صغرت إلا ونشر لها ديوانان: لم؟ وكيف؟ وهذا سؤال مهم عن العلة الباعثة.
والعلة علتان: علة دافعة، وعلة غائية.
فما جمعنا إلا الحب لله وفي الله.
فالعلة الدافعة أننا نتعلم، والعلة الغائية أننا نتعلم لنصل إلى رضا الله عزَّ وجلَّ، ويكون ذلك من خلال استشعار القلب للطاعات، وخشوعه فيها، ومن ضمن هذه الطاعات استحضار القلب في الصلاة، وهذا الاستحضار له أسباب.
الأسباب الجالبة لحضور القلب في الصلاة:
1- معرفة أسرار الأركان:
ـ الوقوف في الصلاة للخدمة.
أي لخدمة الله سبحانه وتعالى، فخير الصلاة طول القنوت.
قال تعالى: "وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ".
سورة "الشعراء": الآيات (217 ـ 219)
الله يراك فكيف يكون شعورك وأنت تعلم أن الله يراك؟ وقريب منك؟ ويقول تعالى:
"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ".
سورة "البقرة": من الآية (186)
يقولون لا هم مع الله، فلماذا تحمل الهم؟ وربك يحمل عنك فهو قريب، سميع، ودود، طيب رحيم، لطيف.
الصلاة قرة عين، يقولون سعادة المنفق أكثر من سعادة الآخذ وذلك إذا استشعر لذة الإنفاق. بئس الرجل الذي يخسر هذه اللذات ويضيعها من أجل الشهوات، ودائمًا نقول: من التمس العزة من الله يظل عزيزًا طوال حياته، سواء أكان فقيرًا أم غنيًا، فهو عزيز بالله، أما من يعتز بماله أو منصبه أو شهوته أو من حوله فإذا زال كل ذلك يكون ذليلاً.
ـ الركوع للتعظيم.
ـ السجود للذل.
2- حضور القلب مع المعنى:
انصراف الهمة يقوى ويضعف، حسب قوة الإيمان بالآخرة، فقوة الإيمان بالآخرة هي التي تستجلب عظمة الحضور في الصلاة، وتساعد على قوة حضور القلب في الصلاة، فكلما كان المرء فاهمًا للمعاني كان ذهنه حاضرًا وقلبه أيضًا حاضرًا مع المعنى، فينبغي صرف الذهن إلى إدراك المعنى، وهذا يقطع الخواطر الشاغلة.
3 ـ قطع الشواغل. فالشواغل إما ظاهرة وإما باطنة.
أ ـ الشواغل الظاهرة: صلى الرسول يومًا في خميصة (عباءة) لها أعلام (فيها رسوم) فبعد أن صلى قال: "خذوا هذه إلى أبي جهم وأتوني بأمبجانية أبي جهم فإن أعلامها ألهتني آنفاً في صلاتي"، وصلى يومًا إلى قرام للسيدة "عائشة" (ستارة عليها رسوم) فقال: "أنيطي عني قرامك فإن تصاويره لا تزال تعرض لي في صلاتي"، إذًا الزخرفة في قبلة المسجد غير مطلوبة، وأيضاً الزخرفة في سجادة الصلاة غير مطلوبة أيضًا، فكل ذلك من الشواغل الظاهرة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة وطعام موضوع" ويقول: "إذا حضر العَشاء والعِشاء فابدأ بالعَشاء"؛ وذلك حتى لا ينشغل ذهنك وفكرك بالطعام.
ومن الشواغل الظاهرة: نهى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يصلي المرء وهو جوعان ولا وهو بدافعه الأخبثان.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن في الصلاة لشغلاً"، فالصلاة شغل لابد أن تركز وتستحضر ذهنك وكل عقلك وكل قلبك للصلاة، ومنها التليفون المحمول، فهو أحد الظواهر الشاغلة الخطيرة فينبغي ألا يدخل التليفون المسجد مطلقاً أو أن يكون مُغلقًا تمامًا.
ب ـ الظواهر الباطنة: وهي أخطر وأشق من الشواغل الظاهرة، والأخطر أن تكون في الصلاة وتنشغل بمعصية، كأن تفكر في شيء حرام سمعته أو رأيته.
علاج الشواغل الباطنة:
(1) أن يرد العبد النفس قهرًا إلى ما يقرأ في الصلاة، ويشغلها به عن غيره ويستعد لذلك قبل الدخول في الصلاة. فمن أسباب الخشوع الاستحضار الذهني للعبادة قبل الدخول فيها.
(2) الاجتهاد في تفريغ قلبه.
(3) يجدد على نفسه ذكر الآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: "صلي صلاة مودع ".
4 ـ أن يعرض على نفسه خطر القيام بين يدي الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وهو المطلع، تخيل أنك واقف أمام الله يوم القيامة، يوم يقول الله: "أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ أين ملوك الأرض؟ فلا يجيب أحد، فالملك اليوم لله الواحد القهار"إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا".
سورة "مريم": الآية (93).
"لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ".
سورة "النبأ": الآية (38).
تذكر هذا اليوم وأنت واقف أمام الله، ماذا تقول؟ وماذا تفعل؟ وكيف تقف أمام الملك الجبار؟ تذكر هذه الوقفة وأنت أمام الله يوم القيامة، فاستحضر قلبك، وعليك أن تجمع تفكيرك في الحال الذي أنت عليه. فإن لم تسكن تلك الأفكار، فليعلم العبد أنه يتفكر فيما أهمه واشتهاه، فليترك تلك الشهوات وليقطع تلك العلائق.
واعلم أن العلة متى تمكنت لا ينفعها إلا الدواء القوي، والعلة إذا قويت جاذبت المصلي وجاذبها، فتنقضي الصلاة في المجاذبة، وإنما ينبغي على المسلم أن يقطع كل علائقه بالدنيا وهو مقبل على الله تعالى.
الشيخ "محمد حسين يعقوب"