يحتاج الحديث عن قوة الشخصية ومواصفاتها إلى خبرة علمية وتجريبية , وما
أحوجنا إلى تلك الموضوعات الهامة التي تقوم آداءنا الشخصي والعام , ولقد
وجدت رجلا يعتبر نموذجا مميزا لقوة الشخصية وتميز الصفات هو الفاروق عمر بن
الخطاب , وقد وردت عدة صفات في وصفه نحاول أن نلقي عليها نظرة موجزة وهي :
القوة البدنية الجسمانية: فقد قال عبد اللـه بن عمر: كان أبي أبيض تعلوه
حمرة ، طوالاً ، أصلع ، أشيب , وقال غيره: كان أمهق - أي خالص البياض - ،
طُوالاً ، آدم ، أعْسَرَ يَسَر , وقال أبو الرجاء العطاردي: كان طويلاً
جسيماً ، شديد الصلع ، شدة الحمرة ، في عارضيه خفه , و قال سِماك: كان عمر
يسرع في مشيته , فهذه بعض صفات عمر ، منها الطول والجسامة ، والإسراع الذي
يدل على المبادرة والإقدام ، وهذه الصفات من القوة البنيانية والجسمانية قد
تساعد أحياناً في كسب الإنسان القوة في الشخصية , ولكن ولاشك أن قوة
الشخصية لا تتوقف عليها بحال .
أما الصفات الأخرى الهامة للشاب القوي الشخصية فهي
كثيرة : 1. قوة العلاقة باللـه عز و جل: فكان عمر يمر
بالآية من ورده فيسقط , حتى - يُزار - منها أياماً كما ذكر ذلك الحسن. ولذا
قال عنه النبي – صلى الله عليه وسلم - كما روى ذلك الإمام مسلم : (( والذي
نفسي بيده ما لَقِيك الشيطان قط سالكاً فجاً ، إلا سلك فجاً غير فَجِّك )).
وما اكتسب عمر- رضي اللـه عنه - هذا الأمر إلا بقوة علاقته باللـه سبحانه ,
ولئن خسر الناس علاقتهم بربهم فإن شخصياتهم وآثارها وأعمالها ستصير بهدف
دنيوي فارغ يسعى وراء حظ زائل , وستنكشف حقائق تلك الشخصيات عند تغير
الظروف
2- العلم والفقه بالدين مع الحرص على ذلك:
ولذا يقول ابن مسعود - رضي اللـه عنه -: لو أن عِلم عمر وُضِع في كفه ميزان
ووُضِع عِلمُ أحياء الأرض في كفة لرجح عِلم عمر بعلمهم , فلا حزم بغير علم
ولا تأثير بغير فهم وحكمة , وإنما بلغ عمر بما بلغ بعلم وقر في قلبه وظهر
على جوارحه وعمله , فقد جمع بين العلم في الرأس وتطبيقه على الواقع .
3. البساطة وعدم التكلف: يقول أنس - رضي
اللـه عنه- : رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه, وقال قتادة: كان عمر
يلبس وهو خليفة ، جُبَّة من صوف مرقوعة بعضها بأدم , وقال عبداللـه بن عامر
بن ربيعة: حججت مع عمر ، فما ضرب فسطاطاً ، ولا خِباء ، كان يلقي الكساء
والنطع على الشجرة ، ويستظل تحته , فكان أنموذجا في البساطة ومثالا في عدم
التكلف لازال يضرب حتى اليوم .
5. البعد عن الإعجاب بالنفس ، ولو أدى ذلك
إلى إذلالها: يقول عبيد اللـه بن عمر بن حفص: إن عمر بن الخطاب حمل قربة
على كتفه ، فقيل له في ذلك: فقال: إن نفسي أعجبتي فأردت أن أذلَّها , وكذا
أقوياء الشخصية , يتحكمون في أنفسهم ولا تتحكم فيهم أهواؤهم ويوجهون
رغباتهم ولا توجههم رغباتهم , ويؤدبون نفوسهم ويهذبونها بإبعادها عما يضرها
وتقريبها مما ينفعها في الدنيا والآخرة
6. احترام حقوق الآخرين ، والورع في ذلك:
ولذا قال محمد بن سيرين: قَدِم صِهرٌ لعمر عليه ، فطلب أن يعطيه عمر من بيت
المال فانتهره عمر ، وقال: أردت أن ألقى اللـه ملكاً خائناً !؟ فلما كان
بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.
7. الحرص على نفع الآخرين ، وخدمتهم ، ولو
أدى ذلك أحياناً إلى هضم حقه: وهو خلق لا يستطيعه إلا الكبار ، قال أنس -
رضي اللـه عنه- : تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة؛ و كان قد حرم
نفسه قال: فنقر بطنه بإصبعه ، وقال: إنه ليس عندنا غيره حتى يحيا الناس -أي
غير الزيت -.
8 . قبوله النقد بصدر رحب : وما كان يسمعه من
نقد لاذع لم يكن ليوفقه عن منهجه , فعن ابن عباس ، قال: لمَّا ولي عمر قيل
له: لقد كان بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك. قال: وما ذاك ؟ قال: يزعمون
أنك فظ غليظ. قال: الحمد للـه الذي ملأ قلبي لهم رحمة، وملأ قلوبهم لي
رعباً.
9 . شفافيته وعدله : فيروي أصحاب السير أن
رجلا أوقفه على منبره وسأله عن ثوبه الذي يلبسه – وكان رجلا طوالا – وكيف
له بثوبين ؟! فقال : قم يا عبدالله بن عمر , فقام عبد الله وبين للناس أنه
قد أعطى اباه ثوبه فجمعهما في ثوب واحد , ولربما كان الرجل يوقفه ويسأله
ويعاتبه وهو يستمع ويحسن ذلك ولربما جاءه بعض العامة يشتكون له من بعض
أمرائهم فيأخذ الحق من الأمير للعامي سواء يسواء , ولما جاءه رسول فارس
وسأل عنه , لم يجد له قصرا ولا حرسا وقيل له إنه نائم تحت ظل شجرة , فراح
ونظر إليه ولكأنه خاطب نفسه فقال : عدلت فأمنت فنمت يا عمر !
----------------------------------------------
مستفاد من :
1. سير أعلام النبلاء ، للذهبي ، المجلد الثامن والعشرون.
2. مختصر صحيح مسلم ، للزبيدي ، بتحقيق الألباني.
* تم نشر هذا المقال في موقع المسلم على الرابط:
http://www.almoslim.net/tarbawi/show_article_main.cfm?id=2548
|
الفاروق .. أنموذج في قوة الشخصية
|
|
زيد بن محمد الزعيــبر* |