أخلاقيات الداعية في ظل سلطات غير إسلامية: إن طبيعة العلاقات بين الداعية والمدعوين في دولة غير إسلامية تفرض عليه
أخلاقيات عملية، يتوقف عليها نجاح مهمته الدعوية، نذكر من أهمها ما يلي:
1 ـ هندسة الأوضاع والنظم السياسية والاجتماعية التي تحكم بها السُّلطات في
هذه الدولة، ورصد ردود أفعالها تجاه مواقف الدعاة المختلفة، وتشخيص
نفسياتها وطريقة تفكيرها، والتنبؤ بطريقة ردِّ فعلها لأيِّ تصرف قد يصدر من
الدعاة، كل ذلك بطريقة إيجابية، ومن ثم عرض رؤية صحيحة وإيجابية لموقف
المسلمين من تلك السلطات، وذلك لكسب ثقتهم في أنشطة الدعاة.
2 ـ توظيف حاجات السلطات لما يملكه الدعاة من إمكانات وقدرات بشرية ومادية،
وذلك عن طريق إشعارها بدور الدعاة المسلمين، ومساهمتهم في تنمية المجتمع
وتطويره، من خلال تنفيذ مشاريع خيرية وإنسانية من: بناء مستشفيات، ودُور
أيتام، وحفر آبار في الأرياف، بحيث تدرك السلطات حاجاتها الملحة إلى
الدعاة، وأنهم ليسوا مجرد حمل ثقيل عليها يستفيد بكل شيء ولا يفيد في شيء،
وهذا لا شك أنجع طريقة للدعوة.
3 ـ التعايش مع غير المسلمين في المجتمع بشكل سلمي وتحمُّل أذاهم، وترك
مواجهتهم بشكل مادي، ولو ترتب على ذلك وجود واحتمال مفاسد تؤثر على سير
الدعوة، في مقابل تجاوز رسم صورة ذهنية خاطئة للدعوة ـ أو الإسلام كلياً ـ
لدى المجتمعات غير الإسلامية، مما قد يترتب عليه صدهم عن دين الله.
4 ـ العمل على رفع مستوى المسلمين المعيشي والثقافي والتعليمي، مما قد
يمكنهم من الوصول إلى بعض المراكز الحساسة في البلاد، فإذا ولّى الحاكمُ
غيرُ المسلم الداعيةَ منصـباً فإنَّ عليـه تولِّيـه، قال عـز الدين بن عـبد
السـلام: «ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولّوا القضاء لمن يقوم بمصالح
المسلمين العامة فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله؛ جلباً للمصالح العامة ودفعاً
للمفاسد الشاملة، إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده تعطيلُ
المصالح العامة وتحمُّل المفاسد الشاملة؛ لِفــوات الكمال فيمن يتعاطى
توليتها لمن هو أهل لها»[12].
5 ـ الحذر من تسخير انتشار الإسلام ودعوته لمصالح أحزاب سياسية معينة، أو
لتحقيق مكاسب لكتل سياسية متصارعة؛ فلا يعلن الدعاة أنفسهم حــركات
سيــاسية، حتى لا يؤدي ذلك إلى طوق الإسلام وقيد العمــل الدعوي، ولكن يجب
أن تكون لهم مشاركة فعالة في التصويت لانتخابات حكام البلاد؛ لأن الحكام
إذا تفاوتوا في الفسوق قدَّمْنا أقلهم فسـوقاً، لأنّا لو قدمنا غيره لفات
من المصالح ما لنـا عـنه منـدوحة، ولا يجـوز تفـويت مصـالح الإسلام إلا عند
تعذر القيام بها، ولو لم يشارك في هذا وأمثاله لضاعت المصالح بأسرها[13].
وقد قال الله ـ تعالى ـ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:
16].
6 ـ حُسن التعامل مع الأزمات، ومنع قيام التصورات الخاطئة في أذهان
المدعوين، بتقديم توضيح لسلوك معين في المواقف ذات الاحتمالات المتعددة
فهماً، وإثارة روح التساؤل، وإذكاء الرغبة في معرفة الخير والعلم، وعدم
الظهور في صورة المنهزم أمام الأزمات، بل الحرص على اتخاذ مواقف حسنة.
7 ـ حسن اختيار من يقوم بالمهام الدعوية، ولا سيما في أوقات الأزمات، بحيث
يكون ممن يضبط ردود فعله بحكمة تفادياً لما لا تحمد عقباه، فلا بد من ضبط
الكلمة في التعامل مع السلطات والمجتمع غير الإسلامي، وضبط أسلوب التعبير
والخطاب الموجه إلى المدعوين الذين لم يدخلوا الإسلام بعد، حتى لا تقع
مفسدة راجحة، قال ـ تعالى ـ: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن
دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:
108].
8 ـ إيجاد القدوة العملية من عموم الدعاة أمام مجتمعاتهم بالمشاركة الفعالة
في الأعمال الاجتماعية الشاقة، أو في إزالة تحرُّج خاطئ في نفوس أفراد
المجتمع المدعوين.
9 ـ نشر تعاليم الإسلام السمحة، مع التركيز على جوانب سموِّ الإنسانية في
شعائره، مثل: دعوته إلى العدالة، والمساواة بين الناس، وبغضه للتفرقة
العنصرية.
10 ـ العمل على وحدة كلمة الدعاة وصفوفهم، فيقدِّم الإسلامُ للقبائل
والأعراق والطبقات المختلفة في البلاد قوةَ الشعور بالوحدة، ويؤلف بين
أبنائها، وإذا اعتنق أحدهم الإسلام احتضنه المسلمون في أحضان الجماعة
المسلمة، ليصبح عضواً في مجتمع متماسك يشعر الفرد فيه بذاته وكرامته.
----------------------------------------------------------
(*) عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية في النيجر.
[1] المعجم الوسيط، مجمع اللغة، دار الدعوة، إسطنبول ـ تركيا، ط2، 1972،
ص286.
[2] معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، دار إحياء
الكتب العربية، ط1، 1366هـ، (2/279).
[3] المدخل إلى علم الدعوة، د. محمد أبو الفتح البيانوني، مؤسسة الرسالة،
بيروت، ط1، 1412هـ ـ 1991م، ص17.
[4] مستلزمات الدعوة في العصر الحاضر، علي بن صالح المرشد، مكتبة لينة
دمنهور، مصر، ط1، 1409هـ ـ 1989م، ص21.
[5] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب علي بن أبي
طالب، رقم 3498؛ ومسلم، في كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي
طالب، رقم 2406؛ وأحمد، رقم 22872.
[6] مجموع الفتاوى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، (20/8).
[7] الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز،
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، السعودية، 1418هـ، ص20
ـ 21.
[8] أخرجه مسلم، كتاب: الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان،
رقم 49؛ وابن ماجه، كتاب: الفتن، باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
رقم 4013، وفي لفظه «من رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره...»
الحديث؛ وأحمد، رقم 11478.
[9] أخرجه البخاري، في كتاب: المغازي، باب: بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل إلى
اليمن قبل حجة الوداع؛ ومسلم، في كتاب: الجهاد والسير، باب: في الأمر
بالتيسير وترك التنفير؛ وأحمد، رقم 19757.
[10] مجموع الفتاوى، (15/325).
[11] المرجع نفسه، (20/48).
[12] قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام،
دار الكتب العلمية، بيروت، ص 73 ـ 74.
[13] المرجع نفسه، ص 74.
المصدر: مجلة البيان
|
وظيفة الداعية وأخلاقياته في ظل سلطات غير إسلامية |
|
د. عبد الرحيم شئت ثاني(*) |