دخلت مجموعة من الناس إلى المسجد الحرام قبل الصلاة و بينهم رجل لا يبدو وجهه
من بعيد . لم يكن أحد منهم محرما ، وكأنهم أتوا للصلاة ، و الصلاة فقط . و
عند دخولهم إلى صحن الطواف ، توجهوا إلى منطقة بعيدة عن الكعبة وجلس منهم من
جلس وقام البعض بأداء ركعتي السنة .
بعد قليل دخلت مجموعة أخرى من الناس وبينهم امرأة لم يظهر منها شيء . واتجهت
هذه المجموعة إلى نفس المكان الذي اتجهت إليه المجموعة الأولى و صدف أن تركوا
المرأة التي كانت معهم إلى جوار الرجل الذي جاء مع المجموعة الأخرى .
كان الرجل و المرأة قريبين من بعضهما بشكل واضح ، و مع ذلك لم يلفت ذلك نظر
أحد ممن رأى المشهد . لم يظهر أي شيء غير عادي منهما ، اللهم أنهما كانا جنبا
إلى جنب . ولكن عندما اقيمت الصلاة ، لم يقوما و يؤديا الصلاة مع الناس .
مرة أخرى ، لم ينكر ذلك المشهد أحد . ولعل النساء قد يصيبهن ما يمنعهن عن
الصلاة ، فماذا عن الرجل ؟ و لماذا بقيا قريبين من بعضهما دون أن يحركا ساكنا
؟ لماذا لم ينتبه لذلك أهليهما ؟ لماذا لم يمنعهما مسؤولو الحرم عن الجلوس
وقت الصلاة إلى جانب بعضهما البعض ؟
أسئلة كثيرة جدا جالت في خاطري ...
سألت نفسي : ماذا لو كنت أنت مكان
الرجل ؟ ماذا كنت فاعلا ؟ ...
سألت نفسى : ترى ماهو شعور ذلك الرجل و قد صلى الناس و هو في مكانه إلى جانب
إمرأة في المسجد الحرام ؟
و لكن الإجابة كانت في كلمة واحدة.
إنها الكلمة التي أقضت مضاجع المؤمنين و الصالحين...
إنه الأمر الذي كل عظيم بالنسبة له حقير ...
و كل ضيق بالنسبة له واسع ...
إنه ...
الموت
قال تعالى ( كل نفس ذائقة الموت ) وقال تعالى ( كلا إذا بلغت التراقي و قيل
مَن راق ، و ظن أنه الفراق و التفت الساق بالساق ، إلى ربك يومئذ المساق )
و كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يعظ رجلا اسمه عنبسة فقال : ( يا عنبسة :
أكثر ذكر الموت ، فإنك لا تكون في ضيق من أمرك و معيشتك فتذكر الموت إلا اتسع
ذلك عليك. و لا تكون في سرور من أمرك و غبطة فتذكر الموت إلا ضيـّق ذلك عليك
) و صدق رحمه الله.
لقد كانا ميتين .. لم ير الناس سوى جنازتين. لم يبد منهما إلا الأكفان..
جيء بهما على الأكتاف محمولين ، ووضعا جنبا إلى جنب استعدادا للصلاة عليهما ،
و لذلك لم يحركا ساكنا. لم يكن المنظر يلفت انتباه أحد لأنه منظر متكرر في
المسجد الحرام.
الصَـلاةُ عـَلى الأمـوَااااااات
يَـرحَـمُـكُـمُ الله
قام الناس عندها بسبب هذين الشخصين قومة واحدة . هدأ التسبيح ، و أجلت صلاة
السنة حتى ينتهي الناس من صلاة الجنازة.
الله أكبر
كبّر الإمام و بدأ بقراءة الفاتحة.
ترى هل كانا على الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب
عليهم و لا الضالين ؟ نسأل الله لهما رحمة الرحمن الرحيم مالك يوم الدين.
الله أكبر
اللهم صلي على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم..
ترى هل كانا على طريق محمد عليه الصلاة و السلام و سنته ؟ قال تعالى ( لقد
كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله
كثيرا )
الله أكبر