إبداعات وسام الإشراف
عدد الرسائل : 260 العمر : 40 البلد : السٌّمعَة : 0 نقاط : 771 تاريخ التسجيل : 26/01/2009
| موضوع: ماذا نريد من الانتخابات؟! الأربعاء 1 يوليو - 4:26:06 | |
| د. عبدالله بن مرعي بن محفوظالانتخابات في الأصل ثقافة مجتمع قبل أن تكون نابعة من ثقافة القوانين، وهي قيم ومبادئ تصاغ حسب تطوّر المجتمع، والانتخابات مثلها مثل أي اجتهاد إنساني تحتاج إلى مراعاة التدرج عند تطبيقها، ويجب أن تأخذ التجربة وقتًا كافيًا، وزمنًا مناسبًا.بدأت الانتخابات في السعودية فعليًّا عام 1926م في المجلس البلدي، ثم توقفت لفترة طويلة، لتعود مرة أخرى في عام 2005م ، ومنذُ خمسة أعوام وهي تحاول تلمّس آفاق عملها وحدودها بين ضغط تحقيق الوعود وبين واقع التعامل مع الأجهزة التنفيذية في البلديات والدوائر الحكومية، إلا أنه من الواضح أن هنالك انطباعًا (عامًا) يميل إلى عدم الرضا بنتائج أعمال هذه المجالس، والشعور بأن أمامها مشوارًا طويلاً، وعملاً شاقًّا من أجل أن تحقق بعض النتائج الملموسة للمواطنين، والأمر كذلك ينطبق على الغرف التجارية والصناعية التي من المفترض أنها تراقب أداء وزارة التجارة والصناعة، وتدافع عن مصالح التجّار والصنّاع، مثلما تدافع جمعية حماية المستهلك عن حقوق المستهلكين.سؤال مركزي يطرح نفسه؛ ماذا تحقق خلال هذه السنوات للمجتمع من المجلس البلدي أو من مجلس الغرف التجارية والصناعية، التي وصل نصف أعضائها إليها عبر الانتخابات؟غير أننا يجب أن نسأل أنفسنا أولاً، ماذا نريد من الانتخابات؟ هل نريد العدالة وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، وحق المشاركة والمساواة لتحقيق القيم التي ترتكز عليها العدالة الإنسانية، لأنها قيم إستراتيجية ثابتة، ولأنها تمثّل حجر الزاوية في الديمقراطية، وهي حق مشاركة الرجل والمرأة، والسماح بوجود الرأي الآخر، وعدم استئصاله وقمعه، وعدم التمييز على أُسس عنصرية أو طائفية أو قبلية؟أم أننا نرى في الانتخابات بأنها تختلف من بيئة إلى أخرى، ومن شعب لآخر، لأنها في الأصل هي مجموعة من الوسائل والأدوات التي يطوّرها شعب من الشعوب، لبناء نظامه الخاص، ولهذا السبب تعدّدت أنواع الأنظمة الديمقراطية، وتنوّعت هياكلها ووسائلها، حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية في هذا العالم؛ بل وعلى مر التاريخ حيث دخل فيها احترام العادات والتقاليد وتاريخ الأمة.في كل الأحوال لا نقاش في الثوابت الإسلامية عند النظر إلى أسلوب وطريقة الانتخابات، والأمر يمتد إلى ثوابت كل تشريع يسنّ في المملكة العربية السعودية، وهي تأكيد على ما نص عليه في نظام الحكم الباب الأول (المادة الأولى) دينها الإسلام ودستورها كتاب الله وسنة رسوله، إذن يبقى النقاش محصورًا في تطوير وسائل الانتخاب في السعودية، لتكون ضمن مستوى المتغيرات المقبولة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن بناء مفهوم جديد لقيادة المجتمع، بأن (الفائز) في الانتخابات لا يجوز له تجاوز أو إغماض العين عن مقومات أمة تقوم على ثوابت الدين واللغة والموقع الديني والتاريخ والعادات والتقاليد.من هنا، فإن البناء الديمقراطي الناجح من خلال الانتخابات هو الذي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع بكل تفاصيلها، من دون القفز عليها إذا تعارضت بعض هذه الخصوصيات مع متغيرات البناء الديمقراطي، لذلك فإن من الحكمة أن نعمل على إصلاح هذه الخصوصيات بالحكمة والموعظة الحسنة، من دون اللجوء إلى العنف والقوّة والإكراه، لأن الخصوصية لا يمكن أن تتبدّل نحو الأحسن والأفضل بالقوّة، لأن من عادة الشعوب أنها تتشبث بماضيها وتاريخها وعاداتها وموروثاتها الاجتماعية، التي تتصورها في كثير من الأحيان نصوصًا (مقدسة)، أو أنها جزء من الدين الحنيف. وهنا فإن حكمة ولي الأمر في هذه الحالة أمر مطلوب ومحمود، فهو الحل السحري والدواء الشافي، لأمراض الناس المتوارثة، التي تتحوّل في أغلب الأوقات إلى عقبات في طريق البناء الحضاري والتنمية والتطور.لأن الانتخابات في النهاية قناعة، وحاجة، وشعور لمفهوم (التغير) في قيادة المجتمع، والتي تبدأ من الذات، ومن ثم تنفتح لتستوعب تجارب الآخرين، وتستصحب وسائلهم، وعوامل نجاحهم. وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قول الله عزّ وجلّ «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».من يريد أن ينعم بالعدالة عليه أن يبذل في سبيلها تضحية توازي أهميتها، والتضحية المقصودة هي تعليم أبنائنا العلم النافع، والتربية القائمة على العدالة وحب الآخرين، وبناء الأرض بجهده والتعمير بعرق الجبين، بعدها سوف يقوم هذا الجيل بصناعة نظام نابع من ذاتنا، ومتوافق مع قيم ديننا وظروف مجتمعنا، أما الجيل الحالي فعليه أن يحافظ على ما تحقق من مكتسبات حتى هذه اللحظة، خاصة وأن القادم اقتصاديًّا وسياسيًّا أصعب من السنوات السابقة، لذلك علينا إعداد العدة المطلوبة للجيل القادم، والأخذ بكل أسباب النجاح، وأن نأخذ كل الاحتمالات حتى لا يتحوّل حلم (التغير) إلى كابوس، وحتى لا يتحوّل الأمر إلى أحلام وأوهام يصعب تحقيقها على أرض الواقع.ختامًا استطاعت الدكتورة نائلة عطار وضع برنامج جديد للمجتمع التجاري والصناعي في محافظة جدة؛ وهو ثقافة الانتخاب، فهل ننجح في اغتنام الفرصة الذهبية لدعم هذه الثقافة، والتي تنطلق من صناديق الاقتراع بانتخابات حرة وبتصويت حقيقي، لا يميز فيها بين مواطن وآخر، إلا على أساس الكفاءة والنزاهة والتجربة والقابلية على الانجاز الصحيح والسليم، فجميع الموطنين شركاء في هذا الوطن، يتقاسمون خيراته ويدافعون عنه، ولا يفرّطون في مكتسباته.المصدر: صحيفة المدينة، الأربعاء 01 يوليو 2009رابط المقال:http://al-madina.com/node/154740 | |
|