المدير العام Admin
عدد الرسائل : 1084 العمر : 37 البلد : المهنة : الهواية : السٌّمعَة : 6 نقاط : 198 تاريخ التسجيل : 20/03/2008
| موضوع: حول حكم علم التجويد الأحد 29 يونيو - 13:00:02 | |
| السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،، التجويد من جهة العموم يراد به تحسين القراءة ، وأن لا يُخرج به عن حدِّ اللفظ العربي في النطق . ويمكن أن يقال : إنَّ التجويد إنما هو وصف للقراءة النبوية التي ورد ضبطها وحفظها من طريق أئمة القراءة كنافع وعاصم والكسائي وغيرهم . وهؤلاء الكرام قد نقلوا حروف القرآن وكيفية نطق هذه الحروف ( أي : التجويد ) ، وهما أمران متلازمان لا يمكن أن ينفكَّ أحدهما عن الآخر ، فمن قَبِلَ عنهم نقل الحروف لزمه أن يقبل عنهم نقل الأداء ( أي : التجويد).
وإذا صحَّت هذه المقدمة ، فإن قراءة القرآن وأداءه بما نُقِلَ عن هؤلاء الأئمة سنة يلزم الأخذ بها ، ولا تصحُّ مخالفتها أو تركها إلا بدليل قويِّ يعترض به المعترض على علم التجويد .
وبما أنه قد كَثُرَ الكلام عن هذا العلمِ بما لا طائل تحته ، فإني سأذكر لك جُمَلاً أراها نافعةً ـ إن شاء الله ـ في تأصيل هذا العلم الذي جفاه بعض طلبة العلم ، وضَعُفَ في بحثه وتحرير أصوله المتخصصون إلا القليل منهم ، فأقول ، وبالله التوفيق : أولاً : نزل القرآن بلغة العرب ، ولها طريقة في أداء حروفها ، ولم يرد أن القرآن خالف هذا الأداء من جهة الحروف ، فمن قرأ : » الحمد لله « قراها : » الهمد لله « ، قيل : إنه قد لحن لحنًا جليًا لأنه لم ينطق بالمنَزَّل على وجهه الذي نزل به . ومن قرأ : » صراط الذين أنعمت عليهم « بضم التاء من » أنعمت « ، فإنه قد لحن لحنًا جليًا يخلُّ بالمعنى ، ولا يكون قد قرأ المنَزَّل على وجهه الذي نزل به . ومن ثَمَّ فإنه يلزم قارئ القرآن أن يعرف نطق الحروف عربيةً حتى لا يُخلَّ بشيء من أداء القرآن ويحصل ضبط الحروف من هذه الجهة بمعرفة مخارج الحروف وصفاتها ، وأخص ما يُدرسُ في صفات الحروف ما له أثر في النطق ، كالهمس والجهر ، والشدة والرخاوة والتوسط ، والاستفال والاستعلاء ، والقلقلة . أما غيرها مما لا أثر له في النطق ، خصوصًا صفة الذلاقة والإصمات ، فإنها مما لا يدخل في النطق ، وليس لها أي أثر فيه .
وليُعلم أن دراسة مخارج الحروف وصفاتها ليس مما يختص به علم التجويد ، بل هو مما يُدرس في علم النحو أو كلام الله سبحانهrواللغة ؛ لأن كلَّ كلام عربي ( من كلام العرب أو كلام الرسول ) لا يخرج عن هذين الموضوعين ، ولهذا تجد أن أعظم كتابٍ في النحو ، وهو كتاب سيبوية قد فصَّل هذه المسألة ، ومن تكلم في المخارج والصفات وما يترتب عليهما من الإدغام ، فهم عالة عليه .
والذي يتخلَّصُ من هذا : أن دراسة المخارج والصفات لازمة لكل كلام عربيٍّ ، لكي يُنطق به على وجه العربية. ثانيًا : أن هذا العلم ككل العلوم الإسلامية من جهة ظهور التأليف فيه ، إذ ليس كل العلوم الإسلامية مما قد تشكَّل وظهرت مسائله في جيل الصحابة أو التابعين وأتباعهم ، بل إن بعضها مما تأخر ظهوره ، ولم يُكتب فيه إلا متأخرًا ، وإن كانت أصوله مما هو معروف محفوظ عند السلف ، سواءً أكان ذلك مما هو مركوز في فطرهم ومن طبائع لغتهم كعلم البلاغة ، أم كان مما تكلموا في جملة من مسائله ، ثم دون العلم فيما بعد ، كعلم الأحكام الشرعية .
وعلم التجويد مما كان مركوزًا عندهم بالفطرة والتعلم ، : » خذوا القرآن عن أربعة ... « ،rفالفطرة ؛ لنهم عربٌ خُلَّصٌ ، والتعلم ، لقوله لم يكتفِ بسليقتهم العربية في قراءة القرآن ، بل أرشدهم إلى rفظهر أنَّ الرسول قراءته على الهيئة التي نزل بها ، ولذا قال : » من احب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أًُنزل ، فليقرأه على قراءة ابن أم عبدٍ « ، وهذا يدل على أنَّ له هيئة قرائية مخصوصة يعلمها بعض الصحابة دون بعض ، وفيها زيادة عما يعرفونه من سليقتهم العربية ، وإلا لما مكان لتخصيص الأربعة ، ولا لتخصيص ابن مسعود في الحديث الآخر أيُّ مزيَّة على بقية الصحابة ، والله أعلم .
ومن زعم أنه لا يجب الأخذ بالتجويد ، وان العربي في هذا العصر يجوز له القراءة على سليقته العربية ، فإنه يشبه من سيزعم أنه لا يلزم الناس تعلم النحو ، وأنهم عرب ، فيجوز لهم أن يتكلموا بسليقتهم. فإن قيل : إنَّ ألسنة الناس قد فسدت منذ جيل التابعين ومن بعدهم ، وصار تعلم النحو لازمًا لمن أراد أن يعرف العربية ، وأن من يزعم اليوم أنه عربي ، ولا يلزمه تعلم النحو إنما هو ذو رأي فائل ، وقول باطل. فيقال : إن فساد ألسنة الناس بالعربية قد جرَّ إلى فساد ألسنتهم في أداء القرآن ، ولإن كان الإنكار على من لا يرى دراسة النحو اكتفاءً بعربيته المعاصرة ، فإن الإنكار على من يزعم أنه يكفي في قراءته عربيته المعاصرة كذلك. ثمَّ يقال له : من أين لك في عربيتك أن تقرأ برواية حفص عن عاصم » مجريها « بالإمالة ؟فإن قال : لأنهـــا هكذا رويت عنه ، وأن أقــرأ بقراءته ؟قيل له : فقد روي عنه الأداء ( التجويد ) الذي تخالف فيه ولا تراه علمًا ، فَلِمَ قبلت روايته في هذا وتركته في ذاك ؟ أليس هذا من قبيل التَّحكُّم ، والتَّحكُّم ـ كما قال الطبري ـ : لا يعجز عنه أحد
ثانيًا : إنَّ بعض علم التجويد ( الأداء ) لا يمكن أخذه من طريق الصُّحِفِ البتة ؛ لأنه علم مشافهة ، وما كان من طريق المشافهة فإنه مما ينقله الآخر عن الأول ، ولا مجال للرأي في المشافهة. واعلم أن مما يميِّز بحث القراء المجودين في هذا المجال عما تجده في كتب النحويين واللغويين أن ما عند المجودين منقول بالمشافهة إلى يومنا الحاضر ، أما ما يذكره النحويون واللغويون من المباحث اللفظية التي يذكرونها مما يتعلق بكيفية النطق فإنه لا يمكن معرفة كيفية النطق بها ؛ لأنه مما لا يُعرف بالقياس ، ولا يُدرك بغير المشافهة ، وليس لك فيها إلا نقل الكلام المدون دون كيفية نُطقِه.
ثالثا : إن علم التجويد كغيره من العلوم الإسلامية التي دوَّنَها علماء الإسلام وضبطوا أصولها ، فتجد أن تقسيم العلم ومصطلحاته الفنية مما يدخلها الاجتهاد . ثمَّ إن هذا العلم قد دخله الاجتهاد في بعض مسائله ، وذلك من دقائق ما يتعلق بهذا العلم ، ومما يحتاج إلى بحث ومناقشة وتحرير من المتخصصين في هذا العلم ، وذلك في أمرين : الأول : المقادير ، والمقصود بذلك مقدار الغنة والمدود والسكت وغيرها مما يُقدَّر له زمن بالحركات أو بقبض الأصبع أو بغيرها من موازين المجودين للزمن المقدَّر .
وليس القول بدخول الاجتهاد في المقادير يعني أنه لا أصل لها ،بل لها أصل ، لكن تقدير الزمن بهذا الحد بالذات مما تختلف فيه الطبائع ، ويصعب ضبطه ، فيقدره هذا بذاك العدد ، ويقدره آخر بغيره من العدد ، لكنهم كلهم متفقون على وجود مقدار زائدٍ عن الحدِّ الطبيعي لنطق الحرف المفرد .
فاتفاقهم على وجود هذا القدر الزائد مسألة ، واختلافهم في مقداره مسألة أخرى ، لذا لا يُجعَل اختلافهم في المقدار سبيلاً إلى الإنكار ، كما لا يُجعَلُ مقدارٌ من هذه المقادير المختلف فيها ملزمًا لعامة الناس ما داموا يأتون بشيءٍ منه ، إذ ليس كل امرئ مسلم يستطيع بلوغ الإتقان في القراءة. الثاني : التحريرات : والمراد بها الوجه القرائية الجائزة عند القراءِ عند جمع القراءات ، أو عند قراءة سورة ووصلها بما بعدها ، فإن ما يُذكر من الأوجه القرائية إنما هو على سبيل القياس للأوجه الجائزة ، ولا يلزم قرأ بكل هذه الأوجه المذكورة ، كما يقال : لك في وصل الفاتحة بالبقرة rأنَّ النبي ثلاثة أوجه : قطع الجميع ، ووصل الجميع ، وقطع الأول ووصل الثاني يالثالث ، فهذا من .rالتحرير للأوجه الجائزة ، وليس من بيان الأوجه لواردة عن النبي وقد أشار إلى هذين النوعين ( التقديرات والتحريرات ) الشيخ المحقق الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري في كتابه العظيم ( حديث الأحرف السبعة ، ط : مؤسسة الرسالة : 129 ـ 130 ) .
رابعا : إن مما يدعو إلى التأمل والنظر في صحة ما تُلُقِّي من هذا العلم عبر القرون = اتفاق المجودين شرقًا وغربًا بلا اختلاف بينهم ، سوى في كيفيات أداء معدودة ، وهي في غالبها مما يدخل في محيط الاجتهاد. وهذا الاتفاق يشير بقوة إلى أن لهذا العلم حتى عصرنا هذا ، ولو كان علمrأصلاً ثابتًا مُتلقًا جيلاً عن جيل من لدن الرسول التجويد من المحدثات لوقع فيه مثل ما وقع في محدثات الصوفية من كثرة الطرق المتباينة ، وكثرة الأوراد المتغايرة ، ولما يقع مثل هذا الاختلاف عُلِم أنَّ المشكاة التي صدر عنها واحدة ، وهي التي صدر عنها نقل حروف القرآن جيلاً عن جيل .
خامسا : إن ما يُعاب به التجويد من وجود بعض المتنطعين في القراءة أو المتشددين في التلقين ، أو المغالين في تأثيم الناس بعدم قراءتهم بالتجويد ، فإنه لا ينجرُّ على أصل العلم ، ولا يجعله علمًا حادثًا لا أصل له ، وهؤلاء الأصناف موجودون في كل عصر ومِصر ، وقد أشار إليهم المحققون من أعلام الـقراءة ؛ كالداني ( ت : 444 ) ، وأبو العــلاء الهمذاني ( ت : 569 ) ، وغيرهم .
وهؤلاء المتنطعون لا يقاس عليهم ، ولا يحكم على العلم بهم ، ولو سار سائر على بعض العلوم ـ كعلم النحو والبلاغة والأصول ، وبعض مسائل الفقه ، وبعض تعصبات الفقها لمذاهبهم ـ وأخذ ينقدها بقول المتنطعين فيها ، لما سَلِم من العلوم إلا القليل ، ولخرج بعض العلوم من أن تكون علومًا معتبرةً ، وذلك ما لا يقول به طالب علم ، ولا عالم قد مارس العلوم وتلقاها .
سادسا : إذا تبين ما تقدَّم ، فإنه يقال : إن تعلم التجويد من السنن التي دأب عليها المسلمون جيلاً بعد جيلٍ ، ومن ترك تعلمه مع القدرة عليه ، فقد أخلَّ بشيء من سنن القراءة ، وكفى بذلك عيبًا . وأما عدُّ ترك الأحكام لحنًا ، فاللحن نوعان معروفان عند أهل الأداء ، فإن كان مما يُخِلُّ ببنية الكلمة ويظهرها عن عربيتها ، فهذا يُسمى اللحن الجلي ، ومن كان يلحن لحنًا من هذا النوع فإنه لا يُعدُّ قارئًا للقرآن ، ومثله ـ إن كان يستطيع التعلم وتركه ـ فإنه يأثمُ ، أما إن كان لا يستطيع ، فإن لا يأثم ، : » الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأه ويتتعتعrبدلالة قوله فيه ، وهو عليه شاق له أجران « . وإن كان يتعلق بتحسين الداء كعدم الإتيان بالغنة على وجهها ومقادير المدود فهذا يسمى اللحن الخفيَّ ، وتأثيم من ترك هذا الجنس من التجويد صعبٌ ، لكن من ظهر له صحة هذا العلم وصحة نقله عن الأئمة القراء ، فما باله يترك تعلمه وأداءه على هذا الوجه ؟!.
| |
|