فتاة الإسلام عضو نشيط
عدد الرسائل : 222 العمر : 39 البلد : السٌّمعَة : 0 نقاط : 0 تاريخ التسجيل : 29/06/2008
| موضوع: حمامة المسجد الأربعاء 2 يوليو - 12:52:49 | |
|
كان ثعلبة من فقراء الصحابة، وكان من مداومته على الذهاب للمسجد ولصلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسمى حمامة المسجد، أي أنه كالحمام في المسجد لا يفارقه. وكان إذا صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة، ما إن يقول النبي: “السلام عليكم” في نهاية الصلاة إلا ويقوم ثعلبة إلى بيته، وقد كان موضع انتقاد من الصحابة بسبب هذا السلوك، إلى أن سُئل بعد ذلك عن السبب فأجاب: ليس لي ولزوجتي في دارنا غير ثوب واحد يصلح للصلاة يستر العورة، فلما أصلي مع الرسول أرجع إلى بيتي لأخلع ثوبي كي تلبسه زوجتي كي تصلي! لقد كان فقيرا لدرجة أنه لم يكن يملك إلا ثوبا واحدا، وكان دائم الطلب من الرسول عليه السلام أن يدعو له أن يغنيه الله ويرزقه، فكان رسول الله ينصحه قائلاً: (يا ثعلبة قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه) أي لا تستطيع أن تتحمل الواجبات المترتبة على امتلاكك له. يقول الشيخ أحمد كفتارو: ليس كل الناس يتحملون ثقل وتبعة النعم، فلما يكون المرء فقيراً تجده في المسجد، وتجده في مجالس العلم، وتجده متواضعا، ولما يغنيه الله، لا مسجد ولا ذِكر ولا تواضع.لكن ثعلبة كان يقول للنبي: “والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالا، لأعطين كل ذي حق حقه” فلما يزل يراجعه حتى دعا له، والنبي من رحمته بالناس وسعهم حلماً وكرماً وفضلاً. يا ويح ثعلبة” فتح الله على ثعلبة من أبواب خزائنه بغير حساب، وإذا به يصبح من أغنى أصحاب رسول الله، حتى أصبح له وادٍ من الغنم.ولما أغناه الله، أرسل الرسول إليه من يقبض منه الزكاة، فلما مّروا عليه ليبلغوه الذي كان، وقد كان له من المواشي ومن غيرها الكثير، فكّر ثم فكر، ثم قال لهم: لا وقت لدي الآن، عندما ترجعون من عند غيري من الناس أكون قد تفرغت لكم! ولو كان صادق الإيمان لطبق قوله تعالى : “وسَارِعُوا” بمجرد الطلب، فالمسلم يلبي الطلب، أما إذا أجل وسوّف فهذا دليل نفاق. ولما رجعوا إليه وطالبوه بالزكاة استنكرها وقال: “ما هي إلا أخت الجزية” فكأنه يقول: هل أنا روماني أو كتابي لأدفع ضريبة اسمها جزية؟ فما هي إلا جزية أو أخت الجزية! فرجع الجباة إلى رسول الله وأخبروه بما قال ثعلبة، قال عليه السلام: (يا ويح ثعلبة) فهل يوجد ثعلبة في زماننا هذا؟وهل توجد في متاجرنا وفي أسواقنا ثعالب؟ عندما يطلب منا الإسلام أداء الفرائض فيجب أن تؤدى، وأن نعطي كل ذي حق حقه، وإن عاهدنا عهداً فيجب أن نوفّي بالعهد، وإذا حدثنا فيجب أن نصدق في الحديث، فإذا لم نحمل هذه المعاني ثم ندّعي أننا مخلصون نكون غير صادقين، فنفاق الأخلاق نوع من النفاق. جاء في صفوة التفاسير: لقد نمت أموال ثعلبة وكثرت حتى ترك الجمعة والجماعة، فسأل رسول الله عنه فأخبروه بخبره، فقال (يا ويح ثعلبة) ثلاثا، فأنزل الله: “وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وهُم مُّعْرِضُونَ. فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْم يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ” (التوبة : 75 - 76 - 77).عقوبة إلهية صارمة إن المسلم عندما يعاهد النبي، فكأنما عاهد الله، وثعلبة عاهد الله، “لئن آتانا من فضله” أي أعطانا من خزائنه التي لا حدود لها “لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ” سنتصدق ونعطي، ونمتثل لأمر الله في بذل المال، وستكون أعمالنا صالحة، وأخلاقنا صالحة وسلوكنا صالحاً، ولساننا لا يكذب، ولا نخلف الوعد في معاملاتنا، ولا نغش. لكن ضعف اليقين له أثر في خلق ومسلك الفرد، فلما أغنى الله ثعلبة، شحت نفسه: “فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ” بخلوا بحق الله الواهب الأعلى، فلم يدفعوا الزكاة وما يتوجب عليهم. هل هذه الآية فقط لثعلبة؟ لو كانت لثعلبة لقال الله “فلما آتاه” ولكنه قال: “فلما آتاهم” أي أن هذه الآية لكل الثعلبيين.إن المسلم هو المستجيب لنداء الله إذا ناداه، والممتثل لأمر الله إذا أمر، والمنتهي عن نهي الله إذا نهى.فماذا كانت عقوبة ثعلبة؟ لقد كانت عقوبة إلهية صارمة: “فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْم يَلْقَوْنَهُ”: أي كفراً ثابتاً، “إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ”: يلقى الله وهو منافق كذوب، فمن منع الزكاة، سيلقى الله وهو منافق، قد أخلف وعوده مع ربه وخالقه. فلن يفتح قلبه للتوبة إلى أن يموت، أي ختم الله على قلبه كي لا ينفذ إليه نور، لماذا كل هذه العقوبة الثقيلة؟ “بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ” بسبب إخلافهم للعهد والوعد، ولماذا أخلفوا؟ ولماذا كذبوا؟ لأنهم عشقوا عين المال، لأنهم جهلوا الله، ومن هو الله؟ الله هو الذي أوجد وخلق، هو الذي أعطى ورزق. لقد هلك ثعلبة في عهد عثمان ولم يأخذ أحدٌ منه صدقة قط عقابا له، وما ظلمه الله، بل هو الذي تولى وأعرض، فأعرض الله عنه، والجزاء من جنس العمل.
[/size] | |
|